
بقلم الباحثة الاسبانية: Violeta ruano
ترجمة: محمداحمد ابراهيم ، مدير الديوان بولاية اوسرد بمخميات اللاجئيين
اليوم عدت من المخيمات عقب تجربة كبيرة، وعلى كل المستويات الممكنة، خلال ستة اشهر كنت فيها محظوظة كفاية لاعيش وسط شعب له الفضل في نقطة التحول في حياتى ، ماجعل هذا العمل يستمر ويصبح امرا خاصا، لآخذ حريتى في الكتابة عنه بطريقة شخصية، بالاضافة، الى هذه الغوص في التاريخ. ولدت الفكرة بمجرد لعبة بينى وصديقتى فاطمة، والتى انتهت على ما ستقرأون لاحقا، واللعبة هى كالاتى: من منا يعدد اكثر من سبب او فائدة للباس المحلفة بالصحراء؟ هذه اللعبة كانت دائما هى اطار النقاش حول المراة بشكل عام والمرأة الصحراوية خصوصا، حول الانوثة، حول الحقيقة، بل ايضا حول كذب السياسيين والناس بالمخيمات، وحول الدين ، وحرية الاختيار وعدم الاختيار، بالطبع حول مختلف وجهات النظر عن الحب، العلاقات الاجتماعية والزواج ، حسنا، لا يسوء الظن ان كل نقاشاتنا كانت فلسفية ، وكنا نتحدث عن القهوة احد اهتماتنا المشتركة.
المحلفة هى قطعة طويلة مستطيلة من القماش ، يمكن صناعتها من اى لون او مزيج الوان (بعض الانماط هى اعمال فنية حقيقية) على الرغم من انه تقليديا اعتادت ان تكون سوداء او سوداء وبيضاء، تلفُ المرأة الصحراوية (والمرأة الموريتانية ايضا) جزء من طرف المحلفة حول جسدها فيتشكل نوع من اللباس وتضع الباقى فوق الرأس والاكتاف.
هناك آلاف الطرق للباس الملحفة، كل امرأة لها خاصتها، وتكمن البراعة الكبرى دائما في جمع الالوان بين قطع اللباس والملابس الداخلية، خصوصا (البودى) او لباس الاكمام الطويلة، انه دائما يبدو افضل عندما تضعالمرأة شعرها على الاكتاف التى تقوم بدور الدعامة، مع الدلالات الواضحة للمسلم ، فالملحفة اكثر من كونها مظهرا دينيا، فوق كل ذلك تقدم الملحفة هوية المرأة البيظانية، هيئتها وشكلها ولونها يميزانها عن نساء الثقافات الاسلامية الاخرى وخاصة المغرب، وهى ايضا الحلف المنيع ضد الظروف القاسية في الصحراء، اين ، وبنفس الاستعمال كاللثام ، تحميهن من الشمس ، الرمل والرياح ، اغلب الشباب الصحراويين بأمكانهم الاختيار بين لبس الملحفة او لا، او متى يبدأون في لباسها، بينما لايوجد وقت خاص ، بالرغم من انه في المخيمات يوجد نوع من الضغط الاجتماعى على الشابات التى تفوق اعمارهن الثماني عشرة عاما، واخيرا وبشكل عام ، فقد اختارعديد النساء خلعها بمجرد الحصول على منزل ، وعندما يغادرن الصحراء، كثيرات من اخترن عدم لباسها، يلبسنها فقط في بعض المناسبات اويحولنها الى مجرد لثام رأس.
اتذكر اول مرة البس فيها ملحفتى عن اختيار، في بداية اكتوبر من 2013م فى مناسبة حفل زواج نظمته عائلتى المضيفة، ولاجل ذلك ذبح كبشا لثلاث خيم مملؤة، وعلى الرغم من لباسى للملحفة من قبل ، كان ذلك اليوم اول مرة البس فيها الملحفة بشكل مألوف، لأجل أمر اعتبرته احتراما، ومازلت مرتبكة جدا حول دورانى الى الامام والى الخلف، العُقد، وعلى حسن الطريقة التى ليست بالطويلة جدا ولا القصيرة جدا، سألت خيرة، امى بالتبنى للمساعدة، التى حدثتنى لاول مرة عن دور الملحفة في الحماية، مسألة واحدة لم اكن افهمها ذاك الوقت بشكل جلى. لبِست الملحفة للمرة الثانية خلال فترة العيد، المناسبة الكبيرة للتسامح عند المسلمين ، لم اكن اسمع اى تعليق على النحو الذى اختار فيه ملبسى في المخيمات، حتى عندما تكون اطرافى عاريتين بشكل كامل ، من يومها احسست بنوع من الضغط الاجتماعى مصحوب ببعض من مستوى اللياقة. لبست النساء ملاحف جديدة، ودراريع جديدة لكل الرجال ، الكل يشيرالى بعضه البعض في لباسه، الزوار ذلك اليوم اعتبرونى شابة صحراوية فتحت عينيها على الفوائد الكبيرة للملحفة، وفي امكانية السير بها دون ان يلاحظك احد (بينما لاتظهر بشرتك الشاحبة او قول كلمة) وهو ما جلعنى من ذاك الوقت البسها على الدوام عند ما ارغب في الخروج في الليل او في اى وقت اوللقاء مع فنانين.
عند اخر شهرين بالمخيمات شرعت في لباس الملحفة بشكل متواصل خلال اليوم ، وفى نفس الوقت ذهنى بدأ يتفتح بمهارة اتجاه اللهجة الحسانية، منذ ذاك الوقت بدأت بالاهتمام بخزانة ملابس فاطمة. وللجمع بين الالوان وتجربة الجزء الممتع منها (بدا لي اننى اصبحت متعبة قليلا من ملابسى التي عهدتها). بعد اسبوعين ، بدأت في الحصول على بعض الاطراء في التعاليق من النساء الصحراويات حول طريقة ملبسى والتوفيق فيها، بالرغم من ان خيرة أشارت علي بأن البس الملحفة على طريقتى الخاصة، بتلك الطريقة ادرت بها حضورى اكثر او اقل في النقاشات الخاصة والمناسبات العائلية بدون لفت انتباه اكثر، في ذات اللحظة ايضا صادفت حرية الحركة، فوق كل ذلك عند اخذ النقل العام (دائما بمرافقة) او السفر مع الاصدقاء في سياراتهم الخاصة، ادركت حينها، انه اخذ منى معظم الاستقرار لكى اجرب على نفسى اهم مبدأ للباحث الاثنوغرافى وهو: عندما تكون في روما، افعل مايفعله الرومان ، على ماتعودت جدتى قوله.
الملحفة، رمز الهوية الثقافية البيظانية، موضوع فخر المرأة الصحراوية، تلبسه بشخصية وشجاعة. الناشطات، الامهات، الوزيرات الشباب وايضا الفنانات. منذ سنوات قليلة، عندما كانت الفنانة الشهيرة مريم الحسان تسير رفقة فرقتها بمدريد تعرضت لاعتداء من قبل بعض الشباب المغربى الذين تعرفوا عليها كصحراوية تلبس الملحفة، وكانت اجابتها في اغنية جميلة بعنوان "الملحفة" في اخر البومها ـ"العيون اكدات" مهداة الى ابطال مخيم اكديم ازيك 2010م بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية، في هذه الاغنية (رقم 10) مزيج من الموسيقى الصحراوية وفن لبلوز وموسيقى الريف الامريكى ، صوت مريم الجهورى يدافع عن الملحفة كجمال وفخر ورمز كبير للمرأة الصحراوية.
بعد الدورات الصغيرة والقليلة للعبة، هنا تسمية للائحة العشرة اسباب التي جعلت الملحفة مفيدة في الصحراء:
1ـ تقيكِ من الشمس ، وخصوصا من منتصف النهار الى الخامسة مساءا وحسب الظن تحمي من امكانية تعرض الجسم الى سرطان الجلد.
2ـ تحميكِ من الرمال ، العدو الكبير للبشرة في الحمادة، نتيجة ملوحتها وتأثيرات التقشر.
3ـ تحميكِ من الرياح اثناء الشتاء الذى يقطع البدن كالسكين خصوصا ليلا.
4ـ تسمح بالتسوق بلباس النوم ، في فتراة الراحة.
5ـ تسمح بالذهاب بلباس النوم الى العمل في فترة الراحة.
6ـ يُبقي الذباب في مستنقعاته خلال فترات العظ ، انت تحتاجين الى غطاء جسمك كله بها.
7ـ تسمح لكِ بالذهاب متخفية في المناسبات العامة السياسية منها والدينية.
8ـ تجنبكِ احراج الاسئلة الطائشة عندما تكونين بالخارج وفي فترة الليل اوفى السيارة.
10ـ الطريقة المثلى في لعبة التخفى عند الاطفال عندما يلعبون التخفى والبحث.